منظمة فخر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

«في غرفة العنكبوت»

اذهب الى الأسفل

«في غرفة العنكبوت» Empty «في غرفة العنكبوت»

مُساهمة من طرف Nora Sinno الثلاثاء يوليو 10, 2018 11:17 am

يبدأ محمد عبد النبي روايته «في غرفة العنكبوت» باسترجاع كابوس. حادثة تبدأ في لحظة صفاء وتنتهي في عتمة مغلقة. يتذكر هاني محفوظ -الشخصية الرئيسية في الرواية- كابوسه الواقعي جيدًا، ويبدأ سرده مباشرة دون مقدمات: عائدًا مع صديقه عبد العزيز من شقته في شارع القصر العيني وسط القاهرة ليشربا شيئًا قرب ميدان الفلكي، يمد هاني يده ليمسك يد صاحبه، قبل أن تمسكهما بعد لحظات أياد غليظة من الخلف، وخلال خمس دقائق، يجد نفسه مع صديقه وآخرين في بوكس الشرطة.

هاني محفوظ مثلي الجنس، شخصية مركبة مستوحاة، كما أحداث الرواية، من حادثة «الكوين بوت» عام 2001، حيث ألقت السلطات المصرية القبض على عشرات الشبان بتهمة «ممارسة الفجور». سُجنوا وشُهّر بهم إعلاميًا وحُكم على الكثير منهم بالسجن. ليست الرواية معنيّة بهذه الحادثة بالذات بقدر ما تشكل منطلقًا لاستكشاف عالم المثلية الجنسية بشكل عام وفي مصر بشكل خاص، إذ أن الاضطهاد الذي يلاحق مثليي الجنس ما زال قائمًا في مصر كما في معظم الدول العربية الأخرى. يذكّرنا غلاف الرواية بمشهد كابوسي آخر؛ قبضٌ عبثيٌ على عشرات الشبان قبل بضعة أعوام في حمام شعبي في القاهرة، يحاول الشبان تغطية رؤوسهم بملابسهم على أمل درء فضيحةٍ لعب فيها الإعلام المستهتر دورًا رئيسًا، قبل أن يحكموا بالبراءة لاحقًا.

يُفرغ هاني محفوظ كابوسه على دفتره في غرفة فندق صغيرة لا يؤنس وحدته فيها إلا عنكبوت ينسج أيضًا بيته من حوله. من خلال هذه الكتابات، نقرأ بصوت الراوي الأول قصة هاني كما يتذكرها بعد خروجه من تجربة السجن؛ أخرس لا يقدر على الكلام، يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة، ينام طول الوقت وتلحقه الكوابيس. بعد نصيحة من طبيبه النفسي، تصبح الكتابة وسيلته الوحيدة لمحو ما في داخله. ما يزال يعيش كابوسه الطويل الجاثم، نصف نائم ونصف مستيقظ ويحاول إيقاظ نفسه تمامًا من خلال الكتابة.

ينتقل عبد النبي في نصّه بين عدّة أزمان؛ بين تذكر الأحداث تارة، وبين تذكر تجربة السجن، وفي أحيانٍ أخرى ينقلنا إلى غرفته الفندقية التي يعتزل هاني فيها الحياة اختياريًا، لنتذكر نقطة الانطلاق الرئيسية في الحبكة؛ إنسان بسيط بخلفية ثقافية متواضعة يحاول استعادة نفسه عبر تذكّر ماضيه.

من هذه الكتابات، يرسم لنا الكاتب صورة لعالم هاني محفوظ وتاريخ عائلته بدءًا من سنواته المبكرة كطفل مدلل من الجميع. نتعرف على شخصية جده «ميدا» وتاريخ العائلة المرتبطة بالفن بطرق مختلفة؛ حاول جدّه العمل في المسرح مع نجيب الريحاني قبل أن ينتهي خياطًا، وحاول والده العمل كومبارسًا، وأمه «بدرية» ممثلة تحاول العودة إلى الأضواء. نقرأ بصوت هاني كل شيء، كيف نشأ وكيف بدأت تجاربه الجنسية المثلية الأولى، من التلصص على الحمّامات إلى تعرّفه على «رأفت»، حبيبه الأول، الذي يكبره في العمر، والذي سيكسر قلبه ويتزوج. ونتعرّف على البرنس؛ أبيه الروحي الذي تعرّف عليه في حمام شعبي، وعلى وحدة ومعاناة مثليي الجنس في المجتمع المصري بشكل عام.

ما المختلف في هذه الرواية؟

سبق أن تناولتِ الرواية العربية مسألة المثلية الجنسية بطرق اختلفت جودتها الأدبية كما اختلفت طريقتها في تناول الموضوع. بعض هذه الأعمال عانى مشاكل في الأسلوب والبنية، وأحيانًا لم يخلُ الأمر من تنميط وقلة دراية، وفي نصوص أخرى جاءت شخصية المثلي شخصية جانبية، أو خدمة لسياق آخر. أستحضرُ هنا أعمالًا مثل «رائحة القرفة» لسمر يزبك، و«الآخرون» لصبا الحرز، و«عروس عمّان» لفادي زعموت، و«فضاء الجسد» لثريا النافع، و«عمارة يعقوبيان» لعلاء الأسواني، و«بلد الولاد» لمصطفى فتحي.

لكن على عكس الكثير من الروايات التي تناولت هذا الموضوع، كتب محمد عبد النبي رواية مثليّة متكاملة كأدب مثلي ذكري يروي بتعاطف معاناة وتعقيدات فئة اجتماعية مضطهدة. ربما كانت هذه الرواية العربية الأولى من نوعها بهذا المعنى؛ رواية تبتعد عن الأحكام الأخلاقية المسبقة، وتبتعد عن التنميط المعتاد للشخصيات المثلية، ببنية محكمة وجمل أدبية سلسة.

«في غرفة العنكبوت» رواية واقعية مركبة من واقع شخصيات مثلية مختلفة، قاسية دون تكلف في اللغة، تعكس شخصية الراوي التي يرويها بصوته، وتُشرك القارئ بالتعاطف أيضًا دون إسفاف. وهي رواية معتمة. العتمة تلف كل شيء. عتمة الأماكن في البيوت والشوارع والحانات والسجن، وعتمة الشخصيات المثلية في شعورها بالوحدة والخوف والهلع والاختباء والارتباك.

لا تطرح الرواية حلولًا، وليست معنية حتى بتقديم استعادة تاريخية لجذور المشكلة الدينية والاجتماعية. الإدانة الرئيسة كانت للحكومة والصحافة الصفراء. لكن النص وهو يدين يخلو من محاولة لفهم المشكلة، ويكتفي بالاحتجاج من خلال جمل تحافظ على نوع من التوازن، فلا تحمّل الضحية قداسة لا تستحقها تجنبًا لمعركة أحكام أخلاقية. يكتب هاني: «من السهل أن يتحوّل الضحية إلى قديس في عين نفسه على الأقل، وهو فخ آخر أوشكت على الوقوع فيه. أمّا في أعين من حولنا، فلم نكن إلا قذارة لا بد من التخلص منها بأية طريقة».

تحاول الرواية أن تبرز نماذج مختلفة للمثليين، لتكسر الصورة النمطية المكرّسة في وعي الناس عنهم، فنقرأ عن عدة شخصيات مثلية، وعن تجاربها وحياتها وقصصها، من خلال علاقاتها مع هاني، سواءً قبل القبض عليه أو بعده. هكذا، يروي قصص كل من عرفهم من أصدقاء ومعارف وحتى أشخاص مارس جنساً سريعاً معهم، كما يروي قصص الناس الذين عرفهم خلال أيام احتجازه، لنصبح أمام مجموعة كبيرة من الشخصيات المثلية، تتنوّع في أفكارها ومواقفها وطرق عيشها، إلا أن ما يجمعها كلها هو رفض المجتمع لها، وكيف ينعكس ذلك على تصرفاتها، فيأخذ رد الفعل أشكالاً عديدة، منها التقوقع ومنها التمرد ومنها الانتحار.

للتحميل : http://www.8gharb.com/%d8%b1%d9%88%d8%a7%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%ba%d8%b1%d9%81%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%86%d9%83%d8%a8%d9%88%d8%aa-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%a8%d9%8a/
Nora Sinno
Nora Sinno

المساهمات : 42
تاريخ التسجيل : 05/07/2018
العمر : 23

https://fakhr30.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى